رواية: لعبة الساعات الزجاجية | لا أحد يهرب من عدّاد الذكريات
الفصل الأول: بداية اللعبة
كانت المدينة تبدو في ذلك الصباح أكثر هدوءًا من المعتاد، كأنها تخفي
شيئًا في أعماقها... شيئًا لم يعتد عليه أحد. في زقاق ضيق بين بنايات قديمة
متلاصقة، وقفت مكتبة "الكاتب العجوز" كما يعرفها أهل الحي. مكتبة
متهالكة لكنها مليئة بالذكريات والكتب النادرة، وصاحبها "مارك" رجل
تجاوز الستين بقلب طفل. كانت المكتبة ليست مجرد مكان للكتب، بل كانت ملجأ للقراء
الذين يبحثون عن الهدوء والإلهام بين رفوفها التي تحمل تاريخ المدينة وأسرارها.
لكن ما كان معلقًا على باب المكتبة في ذلك اليوم، لم يكن إعلانًا عن
كتاب جديد، ولا عرضًا للقراء. كانت ساعة رملية صغيرة... تتأرجح بخفة كأنها تسخر من
الزمن نفسه. كانت الساعة ذات قاعدة خشبية منحوتة بدقة، وزجاجها الرفيع يعكس الضوء
بطريقة تجعلها تبدو كأنها جزء من عالم آخر.
اقترب مارك منها بتردد، وهو يشعر بنوع من القلق الذي لم يسبق له أن
شعر به من قبل. قلبها الزجاجي الرفيع، وحبيبات الرمل الذهبية بداخلها كانت تنساب
ببطء ساحر، وفي قاعدتها وُجدت ورقة مطوية بإتقان. كانت الورقة سميكة، بيضاء اللون،
وعليها خط يدوي أنيق ودقيق.
أمسكها بفضول وقرأ: "كل دقيقة تمر... تقترب أكثر من خسارة
لا تتوقعها.
اللغز: ماذا يحمل الإنسان معه طوال حياته، لكن لا يمكنه
لمسه؟ لديك حتى منتصف الليل لحل اللغز. توقيع: صانع الوقت."
شعر مارك بقشعريرة باردة تزحف على عموده الفقري. من هو صانع الوقت
هذا؟ ومن الذي يلعب معه بهذه الطريقة الغريبة؟ هل هو شخص يعرفه؟ أم هو غريب يختار
ضحاياه بطريقة عشوائية؟ تساءل مارك عن هوية هذا الشخص الغامض الذي يبدو أنه يعرف
أسرار المدينة وسكانها جيدًا.
جلس خلف مكتبه القديم، الذي يحمل علامات الزمن والاستخدام الطويل،
محاولًا التفكير في اللغز. كانت المكتبة هادئة في ذلك الصباح، والضوء الخافت الذي
يتسرب من النوافذ العالية يلقي ظلالًا طويلة على الأرض الخشبية.
- ماذا أحمل
معي طوال حياتي ولا أستطيع لمسه؟
- فكرة؟
ذكرى؟ ظلّي؟... لا شيء يبدو صحيحًا.
بدأ مارك يتذكر لحظات من حياته، يبحث عن إجابة في ذكرياته. تذكر
طفولته في هذه المدينة، وكيف كان يجلس في هذه المكتبة نفسها وهو صغير، يستمع إلى
قصص جده التي كانت تملأ عالمه بالأحلام والمغامرات. كانت المكتبة في ذلك الوقت
مكانًا مختلفًا، أكثر حيوية ودفئًا، ولكن الروح التي كانت تحملها لم تتغير.
مرت الساعات سريعًا، ووسط انشغاله بالذكريات، نسي مارك تمامًا تحذير
الرسالة. اعتبرها مزحة ثقيلة من أحد الشباب العابرين، أو ربما نوعًا من التسويق
الفني لأحد الأفلام الجديدة التي تُصوّر في المدينة. ومع ذلك، ظل هناك شعور بالقلق
يراوده، شعور غامض يخبره بأن هناك شيئًا أكبر من مجرد لعبة تدور.
ومع حلول منتصف الليل... حدث ما لم يتوقعه. كان مارك قد أغلق المكتبة
وعاد إلى منزله الصغير المجاور، حيث عاش مع زوجته ليلى، التي كانت تدير مقهى
صغيرًا في نفس الحي. كانا متزوجين منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ولم ينجبا أطفالًا،
لكنهما عاشا حياة هادئة مليئة بالحب والتفاهم.
في صباح اليوم التالي... استيقظ الحي على صوت سيارات الإطفاء أمام
المكتبة. اندلع حريق محدود في الداخل، وسرعان ما تجمع الجيران حول المكان،
يتساءلون عما حدث. الغريب أن الحريق لم يتلف أي شيء إلا غرفة واحدة فقط... غرفة
الأرشيف، التي كان مارك يحتفظ فيها بمذكراته الخاصة، صوره القديمة، وتسجيلات نادرة
جمعها طوال حياته.
كلها اختفت... كأنها لم تكن أبدًا. كانت تلك الغرفة تحتوي على صور
لعائلة مارك التي هاجرت منذ زمن بعيد، ورسائل قديمة كتبها جده لجدته أثناء الحرب،
وكتبًا نادرة ورائعة جمعها من مزادات وأسواق عتيقة.
الغريب أكثر، أن رجال الإطفاء لم يجدوا أي دليل على سبب الحريق. لم
يكن هناك أي أثر للحرارة أو التلف، وكأن النار قد اختارت هذه الغرفة بشكل متعمد،
تاركة بقية المكتبة سليمة تمامًا.
وعلى جدار الغرفة المحترقة... وُجدت عبارة مكتوبة بخط أنيق: "حين
تفشل في فهم الماضي... يحترق الحاضر ببطء."
عندما عاد مارك إلى المكتبة ورأى الدمار، شعر بأن جزءًا من روحه قد
اختفى مع تلك الأشياء الثمينة. لكنه شعر أيضًا بنوع من التحدي، كأن هذه اللعبة
الغريبة قد بدأت بالفعل، وأنه يجب عليه أن يكون جزءًا منها رغمًا عنه.
الفصل الثاني: رسائل بلا توقيع
كان اسم "صانع الوقت" قد بدأ يهمس به الناس في أزقة المدينة
ومقاهيها. لم يعد مجرد لغز طريف يعلّق ساعة على باب مكتبة... بل تحوّل إلى كابوس
غامض يلاحق سكان المدينة ويثير فضولهم وخوفهم في الوقت نفسه.
في مركز الشرطة الرئيسي، جلست المحققة إيلا موراي تتفحص أوراق القضية
الجديدة بصمت. عُرفت إيلا ببرودها الغامض، ونظرتها الحادة التي تخترق الوجوه كأنها
تقرأ ما وراء العيون. كانت إيلا تعمل في قسم الجرائم المعقدة، وقد حلت العديد من
القضايا الصعبة في الماضي. ولكن هذه القضية كانت مختلفة، كأنها تحتوي على لغز أكبر
من مجرد ساعة رملية ورسالة غامضة.
- "مارك ليس وحده." قالتها
وهي تنظر إلى الضابط المساعد سام.
- "تقرير اليوم؟"
- "ثلاث ساعات رملية جديدة يا
أستاذة."
الأولى على باب متجر تصوير قديم يديره رجل يُدعى جوناثان، والثانية
بجانب صندوق بريد عائلة ميلر المعروفة، والثالثة على سيارة شاب يعمل في مجال
البرمجة يُدعى أليكس.
الغريب؟ جميعهم استلموا نفس النوع من الرسائل: "لديك
حتى منتصف الليل لحل اللغز..."
لكن الأغرب... أن الألغاز لم تكن سهلة أبدًا.
أحدها يقول: "له قلب بلا دم، ويد بلا إصبع، يعيش
ويموت بلا نفس... من أنا؟"
كان صانع الوقت بارعًا في صياغة ألغازه بطريقة ساحرة ومرعبة معًا.
كانت الألغاز تحمل طابعًا شعريًا، ولكنها كانت تخترق أعماق النفس، تدفع الضحايا
إلى التفكير في أسرارهم الخاصة وضعفهم الخفي.
في اليوم التالي... كل شخص فشل في الحل، لم يُصب بأذى جسدي، لكن فقد
شيئًا لا يقدّر بثمن:
- صاحب متجر
التصوير، جوناثان: تعرضت كل صوره القديمة للتلف فجأة، بسبب تسريب ماء مجهول
داخل المتجر. كانت تلك الصور تحتوي على ذكريات عائلية ثمينة، ولقطات لأجيال
سابقة لم يتبق منها سوى الذكريات التي تحملها تلك الصور.
- صاحب
صندوق البريد، آدم ميلر: فقد رسالة نادرة كان ينتظرها منذ سنوات من ابنه
المغترب... اختفت تمامًا. كانت تلك الرسالة آخر وصلة تربطه بابنه الذي غادر
المدينة منذ زمن طويل، تاركًا وراءه فراغًا لا يمكن ملؤه.
- مبرمج
التطبيقات، أليكس: تعرّض حسابه الإلكتروني للاختراق، وخسر مشروعه الرقمي
بالكامل. كان أليكس قد عمل على ذلك المشروع لسنوات، وكان يعتبره تعبيرًا عن
إبداعه وقدراته، وفقدانه كان يعني خسارة جزء كبير من هويته المهنية.
بدأت إيلا تلاحظ نمطًا خطيرًا... صانع
الوقت لا يختار ضحاياه عبثًا. كل ضحية لديها سر... وكل لغز يعبر عن نقطة ضعف خفية.
كان صانع الوقت يبدو كأنه يعرف الضحايا جيدًا، كأنه عاش وسطهم لسنوات، يراقبهم
ويدرس حياتهم بدقة.
تمتمت إيلا:
- "إنه يعرفهم جيدًا... كأنه عاش
وسطهم لسنوات."
في تلك الليلة... وقفت إيلا أمام سبورة مكتبها الكبير. كانت السبورة
مغطاة بالصور والملاحظات والخرائط التي تحاول من خلالها ربط النقاط وفهم القضية.
خطت بيدها الحازمة: هدف صانع الوقت ليس القتل... بل كسر شيء أعمق. الذاكرة
— التاريخ الشخصي — سر قديم وكتبت بخط واضح: مَن هو صانع
الوقت؟
الفصل الثالث: سر الساعة السابعة
مرت أيام عصيبة على المدينة. الساعات الرملية لم تتوقف عن الظهور، لكن
في اليوم السابع... وجدت الشرطة ساعة مختلفة تمامًا.
ساعة سوداء بالكامل... رمالها رمادية غامقة، وبداخلها ورقة كتب فيها: "هذا
اللغز ليس لمن يخاف المواجهة. لغز الخيانة لا يُحل بالقوة. مَن يخون نفسه
أولًا؟"
كانت هذه الساعة موضوعة في مكتب الضابط تاريك جايبر، أحد أكثر ضباط
الشرطة قربًا لإيلا. كان تاريك رجلًا في منتصف العمر، ذا سجل حافل بالإنجازات،
ولكنه كان يحمل سرًا قديمًا يعذبه كل ليلة.
ارتبك الجميع. كيف وصلت إليه؟ ولماذا هو بالذات؟ تاريك كان يخفي سرًا
قديمًا. منذ عشر سنوات، تسبب خطأه غير المقصود في سجن شاب بريء، لكنه أخفى الأمر
عن الجميع، وظن أنه طواه مع الزمن. لكن صانع الوقت... كان يعلم.
وفي منتصف الليل... تلقى تاريك رسالة إلكترونية غريبة. جملة واحدة فقط: "الحقيقة
أبطأ من الرمل... لكنها تصل في النهاية."
شعر تاريك بالصدمة عند قراءة الرسالة. كانت الكلمات تحمل وزنًا
ثقيلًا، كأنها تذكره بأن الأشياء التي يحاول نسيانها لن تبقى مدفونة إلى الأبد.
جلس في مكتبه المظلم، يتذكر القضية التي أغلقها منذ زمن طويل، والشاب الذي دفع
ثمنها بسنوات من حياته.
في صباح اليوم التالي، استقال تاريك فجأة وغادر المدينة بلا رجعة. لم
يكن هناك أي إشعار رسمي، ولا حتى وداع منه. غادر بهدوء، تاركًا وراءه حياة كان قد
بناها على مدى سنوات عديدة. كانت رحيله يعني نهاية فصل في حياة المدينة، وبداية
لأسئلة جديدة عن هوية صانع الوقت وأهدافه الحقيقية.
الفصل الرابع: بيت الرمل المفقود
بدأت إيلا تجمع الخيوط. من خلال تحليل أماكن الساعات الرملية وطريقة
اختيار الضحايا، اكتشفت شيئًا مربكًا... كل موقع ظهرت فيه ساعة رملية، كانت هناك
"زاوية خفية" للمراقبة: إما كاميرا قديمة، أو نافذة تطل مباشرة، أو حتى
مرآة صغيرة على بعد مترين.
وصلة عبقرية واحدة جمعت كل شيء: المراقبة الدقيقة منذ سنوات طويلة.
لكن أين يختبئ هذا العقل الغامض؟
أخيرًا... وجدت خريطة قديمة لبيت مهجور يقع على أطراف المدينة، يطلق
عليه السكان اسم "بيت الرمل" بسبب تصميمه الغريب. سقف مقبب يشبه الساعة
الرملية... وجدران مليئة بنقوش عن الوقت.
كان ذلك البيت، ذات يوم، ملكًا لعالم غامض في علم النفس والتلاعب
العقلي... اختفى منذ سنوات طويلة. اسمه؟ د. سامي بادران. كان د. سامي يُعتبر من
أبرز علماء النفس في المنطقة، وقد كتب العديد من الدراسات حول التلاعب النفسي
وكيفية استخدامه في علاج المرضى. ولكن كانت طرقه غير تقليدية، وقد تركت أثرًا
عميقًا في حياة الكثيرين.
دخلت إيلا وطاقمها بيت الرمل. كان المكان أشبه بمتاهة زمنية. كل غرفة
لها لغز، وكل ممر يحوي رمزًا يحتاج لحل. كانت الجدران مغطاة بالرسومات والنقوش
التي تصور الزمن وتدفقه، وكأن البيت نفسه كان جزءًا من لعبة ضخمة.
لكن الغرفة الأغرب حملت رقمًا لا يظهر على أي خريطة... "الغرفة
رقم صفر" في تلك الغرفة، وجدت إيلا أخيرًا أول دليل مباشر على هوية صانع
الوقت: مجموعة دفاتر بخط يدوي... مذكرات يومية.
كانت مذكرات سامي بادران تتحدث عن مشروع قديم اسمه: "تحرير
الإنسان من سجن عاداته" مشروع يقوم على زرع الألغاز في حياة الأشخاص،
لإجبارهم على مواجهة أخطائهم وخياناتهم لأنفسهم. لكن في آخر صفحة كتب: "حين
يظن الجميع أن الوقت يطاردهم، سأكون أنا خارج معادلة الزمن... أراقب بصمت."
الفصل الخامس: الغرفة رقم صفر
دخلت إيلا وطاقمها بيت الرمل. كان المكان أشبه بمتاهة زمنية. كل غرفة
لها لغز، وكل ممر يحوي رمزًا يحتاج لحل. لكن الغرفة الأغرب حملت رقمًا لا يظهر على
أي خريطة... "الغرفة رقم صفر"
في تلك الغرفة، وجدت إيلا أخيرًا أول دليل مباشر على هوية صانع الوقت:
مجموعة دفاتر بخط يدوي... مذكرات يومية. كانت مذكرات سامي بادران تتحدث عن مشروع
قديم اسمه: "تحرير الإنسان من سجن عاداته" مشروع يقوم على زرع الألغاز
في حياة الأشخاص، لإجبارهم على مواجهة أخطائهم وخياناتهم لأنفسهم.
كانت الغرفة رقم صفر تحتوي على رفوف تمتد من الأرض إلى السقف، مليئة
بالدفاتر والملاحظات التي كتبها سامي على مدى سنوات عديدة. كانت الدفاتر مرتبة
بدقة، وكأنها تحتوي على جزء من روح سامي نفسه. كانت إيلا تشعر بأنها تقترب من فك
لغز كبير، ولكنها كانت تعلم أن الحقيقة قد تكون أكثر تعقيدًا مما تتوقع.
في آخر صفحة من المذكرات، كتب سامي: "حين يظن الجميع أن الوقت
يطاردهم، سأكون أنا خارج معادلة الزمن... أراقب بصمت." كانت هذه الجملة تعني
أن سامي كان يعتبر نفسه خارج اللعبة، ولكنه في الوقت نفسه كان يتحكم فيها بأكملها.
الفصل السادس: نهاية اللغز... وبداية اللعبة
إيلا أمسكت بخيط جديد. كل الضحايا الذين اختارهم صانع الوقت... كانوا
زبائن قدامى لمكتبة واحدة صغيرة جدًا. اسمها؟ "مكتبة الرمال السبعة"
كانت المكتبة واجهة صغيرة لأحد أقدم مساعدي سامي بادران، رجل غامض يُدعى إياد
القيسي.
عندما اقتحمت الشرطة المكتبة... لم تجد إياد. لكنهم وجدوا أخطر شيء
على الإطلاق: ساعة رملية عملاقة... بداخلها رسالة لإيلا وحدها: "لعبة الوقت
لا تنتهي بإمساك اللاعب... بل تبدأ حين تدركين أن الجميع كان داخل لعبته منذ
البداية." "أراك قريبًا في الجولة القادمة."
كانت الرسالة تعني أن صانع الوقت كان يعلم بالضبط متى ستصل الشرطة إلى
المكتبة، وأنه كان يراقبهم ويتحكم في كل خطوة يقومون بها. كانت إيلا تشعر بالإحباط
والغضب في الوقت نفسه، لأنها كانت تعلم أنها لم تصل إلى نهاية اللغز بعد.
في الأيام التالية، بدأت إيلا تحاول فك تشفير المزيد من المعلومات
التي وجدتها في المكتبة. كانت الدفاتر والملاحظات التي كتبها سامي تحتوي على
معلومات مشفرة ورموزًا تحتاج إلى وقت لفك تشفيرها. ومع ذلك، كانت إيلا تعلم أنها
لم تصل إلى نهاية اللعبة بعد، وأن صانع الوقت كان لا يزال يراقبها من الظل.
تعليقات
إرسال تعليق