روايه: في قبضة الموت | أسرار القدر المظلم

 

الفصل الأول: اختيار غير مقصود

كانت السماء تحتفظ بنوع من السكون الغريب في تلك الليلة. لم يكن هناك شيء يستدعي الاهتمام في القرية النائية التي كان مراد يعيش فيها، سوى ضوء القمر الذي كان يتسلل بخجل عبر النوافذ المغلقة. كانت الرياح تعزف أنغامًا باردة في الأفق، كأنها تهمس بأسرار قديمة، لا يدركها إلا أولئك الذين يستطيعون الاستماع.

مراد، ذلك الشاب النحيف الذي يبلغ من العمر 17 عامًا، كان جالسًا في غرفته الضيقة فوق سطح المنزل. يطالع كتابًا قديمًا عن تاريخ لم يكن يهتم به، ويفكر في ما يمكن أن تؤول إليه حياته. كان في مكان ما بين الحلم والواقع، بين ما هو ممكن وما هو مستحيل. حياته كانت تمضي ببطء، كأنها كانت تتبع مسارًا محددًا، لكن من دون أن يكون هناك هدف واضح.

في تلك اللحظة، حدث شيء غير عادي. دخلت الغرفة رائحة غريبة، كانت كريهة بعض الشيء، ولكنها حملت أيضًا شيئًا من الرهبة. كان ذلك الشعور الذي يشعر به المرء حين يعلم أن شيئًا سيغير مجرى حياته للأبد. نظر مراد حوله، متسائلًا عن مصدر هذه الرائحة. لكنه لم يجد أي تفسير منطقي.

ثم ظهر. ليس بشكل مفاجئ، بل كما لو كان دائمًا هناك، يراقب، يراقب فقط. "أنت مراد، أليس كذلك؟" سأل الصوت الذي جاء من العدم. لم يكن الصوت مخيفًا كما توقَّع، بل كان باردًا، وكأنه قادم من مكان بعيد جدًا. مراد جَفل، ونظر في الاتجاه الذي جاء منه الصوت، ليكتشف أن الغرفة قد تغيّرت. كانت الجدران تبتعد ببطء، وتكشف عن فضاء مظلم لا نهاية له، وكأنما كان هناك عالم آخر خلف هذا الواقع. وكانت هناك شخصية واحدة، لا شك في أنها هي من كانت وراء ذلك الصوت. كان يرتدي عباءة طويلة، وكان وجهه مخفيًا في الظلال.

"من أنت؟" همس مراد، قلبه ينبض بسرعة. "أنا الموت." قالها الشخص ببساطة، وكأنها أكثر الأشياء الطبيعية في العالم. مراد كان في حالة ذهول. لم يكن يستطيع أن يتخيل أن ما سمعه كان صحيحًا. الموت، هذا الكائن الذي لا يمكن للبشر أن يتخيلوه بأعينهم، كان يقف أمامه الآن، يتحدث إليه. "ماذا تعني؟" سأل مراد، صوته مترددًا. "أعني أنني هنا من أجلك. لا داعي للخوف، بل على العكس، عليك أن تشعر بالفخر." قال الموت بصوت هادئ، مع لمحة من الغموض.

فجأة، انتبه مراد إلى شيء ما. كانت هذه ليست نهاية للحديث. كان الموت يحمل في طياته شيئًا أكبر من مجرد مقابلة عابرة. بدا وكأنه يحاول إخبار مراد بشيء، أو ربما تقديم عرض. "إذا أردت، يمكنك أن تصبح متدربي. أحتاج إلى شخص يعينني في عملي." أضاف الموت، وهو يلوح بيده في الهواء، ليظهر أمام مراد مشهد غريب: أرواح تطفو عبر الزمان والمكان، وكل منها يحمل قصة مختلفة. مراد كان في حالة صدمة تامة، لكنه لم يستطع مقاومة الفضول الذي كان يشده نحو هذا العرض الغريب. كانت فكرة أن يصبح متدربًا لدى الموت نفسها مغرية، رغم الغرابة التي رافقت الفكرة.

"لكن... ماذا تعني أن أصبح متدربك؟" سأل مراد، صوته الآن أقل ترددًا وأكثر فضولًا. "أنت ستكون عيني في هذا العالم، ستساعدني في مراقبة الأرواح وإيصالهم إلى مصيرهم. سيكون لديك القوة، ولكن عليك أن تتعلم أولاً." أجاب الموت. مراد شعر بشيء غريب في قلبه. كان يشبه الحلم، لكنه كان حقيقيًا جدًا. هل كان عليه قبول هذا العرض؟ هل كان يستحق أن يكون في هذا العالم المظلم الذي يقترب منه؟ "هل هذا... يعني أنني سأعيش للأبد؟" سأل مراد. ضحك الموت، وكانت ضحكته غريبة، كأنها تنبع من مكان لا يمكن لأحد أن يتخيله. "لا، مراد. لا شيء يبقى للأبد. ولكنك ستعيش حياة غير تقليدية، حياة تحت ظل الظلام."

مراد تردد لحظة، ثم قرر. كان يعلم أنه أمام فرصة قد لا تتكرر أبدًا. أخذ نفسًا عميقًا، وقال: "أقبل." ومن هنا تبدأ مغامرة مراد في عالم الموت... حيث لا توجد قوانين واضحة، فقط فوضى قديمة تحتاج إلى ترتيب.

الفصل الثاني: مدرسة الظلال

كان مراد يقف في "صالة النهاية"، المكان الذي بدا كأنه يمتد إلى ما لا نهاية. كان مشهدًا غريبًا، حيث كانت الجدران محاطة بآلاف من الأبواب الخفية، وكل باب كان يفتح على مشهد مختلف. بعض الأبواب تؤدي إلى معارك قديمة، وبعضها إلى مشاهد هادئة لرغبات وأحلام البشر. كان المكان مليئًا بالموجودات الغامضة التي لا يستطيع العقل البشري استيعابها بالكامل.

"أنت هنا الآن." قال الموت، وهو يقف بالقرب من مراد. "لا يوجد مكان آخر يمكنك أن تذهب إليه الآن. هنا تبدأ تدريباتك." فجأة، ظهرت أمام مراد لوحة ضخمة تتألق بالألوان الساطعة، وكانت تحمل رموزًا غريبة جدًا. ثم ظهر على اللوحة كتاب قديم، تطايرت صفحاته الواحدة تلو الأخرى، وكأنها تختار مراد ليكون الشخص المناسب لفهم ما كان يخبئه هذا العالم.

"هذه هي مدرسة الظلال، مراد. هنا، ستتعلم كيفية التعامل مع الأرواح، وكيفية فهم دورة الحياة والموت." شرح الموت بينما كان يراقب مراد باهتمام. ثم ظهر شخص آخر، كان يحمل ملامح شبيهة بالموت، لكنه بدا أكثر شغفًا وحيوية. كان "ظل الزمان" هو المعلم الذي سيشرف على تدريب مراد. "مراد، أنا ظل الزمان. سأعلمك كيف ترى الزمن مثلما يرى الموت. كيف تتحكم في اللحظات وتُعيد كتابة المشهد إذا كان ذلك ضروريًا."

مراد شعر بالرهبة، لكنه كان على استعداد للتعلم. في البداية، كانت الأمور صعبة. كان عليه أن يتقن كيفية مشاهدة الأرواح التي تتسرب عبر الزمن، وكيفية التأثير على مصيرها دون أن يُخطئ. تدريب مراد كان عبارة عن سلسلة من الاختبارات العقلية، التي كانت تتطلب منه أن يتخيل المستقبل والماضي في آن واحد، وأن يفهم كل روح في سياق حياتها. تدريجياً بدأ يفهم كيف يعمل "التوازن" بين الحياة والموت.

لكن المشكلة كانت أن مراد كان ينحرف عن القواعد. كان لديه فكرة مختلفة حول الموت، فكرة كانت تهدد النظام الذي كان يحكمه. كانت هناك فكرة تتشكل في عقله: ماذا لو كانت الأرواح لا تحتاج دائمًا إلى المرور عبر الموت؟ ماذا لو كان هناك خيار آخر؟ خيار يمنحهم حرية أكبر؟ كان مراد يشعر بالحيرة، لكنه كان مصممًا على اكتشاف الحقيقة وراء هذا العالم الغامض. كان يعلم أنه إذا استمر في هذا الطريق، فسيواجه تحديات كبيرة، ولكنه كان مستعدًا لمواجهة كل ما يأتي به القدر.


الفصل الثالث: خطيئة الحياة

كان مراد يتدرب في صمت، حتى جاء اليوم الذي كان فيه عليه أن يتعامل مع أول مهمة حقيقية. كان عليه أن يلتقي بروح "ليان"، وهي فتاة شابة كانت قد توفيت في حادث. كان من المفترض أن تأخذ مكانها في عالم الموت، لكن مراد شعر بشيء غريب عند لقائه بها. ليان كانت شابة جميلة، لكنها لم تكن هادئة كما كان يتوقع. كانت تشعر بالحزن العميق والخوف، وكأنها كانت تحمل شيئًا غير مكمل في رحلتها.

وعلى الرغم من أن مراد كان قد تعلم كيفية التأثير في مصير الأرواح، شعر بشيء غير طبيعي وهو يقترب منها. "أنت هنا لأنك لم تُكمل رسالتك بعد، أليس كذلك؟" قال مراد وهو يواجه ليان. أجابت ليان بصوت خافت: "أنا... لا أريد أن أرحل. هناك أشياء لم أحققها في حياتي." كانت كلماتها تدق في قلب مراد. هو يعلم أن "الموت" ليس شيء يمكن تجاوزه، لكنه كان يراها بأعين مختلفة. كان يدرك أن العالم الذي يديره لا يرحم، لكنه لا يستطيع أن يتجاهل ما كان يشعر به تجاهها.

"يمكنني مساعدتك. يمكننا إيجاد حل آخر." قال مراد، مترددًا ولكنه مليء بالأمل. لكن الموت كان يراقب عن كثب. ظهر أمام مراد فجأة، عابس الوجه. "لا، مراد. لا يحق لك التدخل في هذا. النظام يجب أن يُحترم." ولكن مراد كان قد قرر. قام بإيقاف عملية الانتقال إلى عالم الموت. كان لديه قدرة على إيقاف لحظات الموت نفسها، وعلى الرغم من تحذيرات الموت، فإن مراد واصل في الطريق الذي اختاره. كان يعلم أنه يخاطر بكل شيء، لكنه لم يستطع تجاهل نداء قلبه.

وعلى إثر ذلك، بدأت الأمور تتدهور. النظام بدأ يشهد خللًا غير متوقع. كانت "صيادي الفوضى"، الكائنات التي تحافظ على التوازن، قد شعرت بالتغيرات. كان مراد يعلم أنه لا يمكنه التراجع الآن، وأن عليه مواجهة ما سيأتي. كان يشعر بالخوف، لكنه كان مصممًا على حماية ليان وإيجاد حل لهذا الوضع المعقد. كان يعلم أن الطريق سيكون وعرًا، لكنه كان مستعدًا لمواجهة أي تحدي يمكن أن يواجهه.


الفصل الرابع: غضب الموتى

بينما كان مراد يحاول الهروب مع ليان، كانت هناك قوة غير مرئية تلاحقهم في كل مكان. كان من الواضح أن النظام بدأ ينهار. "صيادو الفوضى" ظهروا فجأة في كل مكان، وظهرت هوياتهم من الظلال. كانوا مخلوقات مظلمة، تتغذى على أي فوضى قد تحدث في العالم. وكانوا يقصدون مهمة واحدة: إعادة النظام إلى حالته الطبيعية بأي ثمن.

"عليك أن تدفع الثمن، مراد." قال أحدهم بصوت خافت، وهو ينقض على مراد. لكن مراد كان قد اكتسب قوة جديدة. في لحظة حاسمة، اكتشف أنه يستطيع "إعادة كتابة اللحظات"، تغيير تفاصيل صغيرة تؤدي إلى نتائج ضخمة. استخدم هذه القوة لمواجهة صيادي الفوضى، وهو يقاتل من أجل الحفاظ على ليان وحياته. كان يعلم أنه لا يمكنه التراجع الآن، وأن عليه مواجهة هذه القوى المظلمة بكل ما أوتي من قوة.

كانت المعركة شرسة، وكان مراد يشعر بالتعب، لكنه لم يستسلم. كان يستخدم كل ما تعلمه في مدرسة الظلال ليحارب بشراسة. كان يعلم أنه إذا خسر، فسيفقد ليان وسيعود كل شيء إلى ما كان عليه. لكنه كان مصممًا على عدم السماح بذلك. كان يقاتل بكل ما أوتي من قوة، مستخدمًا كل حيلة ومهارة تعلمها. كان يعلم أن الوقت يمر بسرعة، وأن عليه الانتصار في هذه المعركة لينقذ ليان ويعيد التوازن إلى العالم.


الفصل الخامس: محكمة الأرواح

بعد المعركة مع صيادي الفوضى، تم استدعاء مراد إلى محكمة الأرواح. كانت محكمة ضخمة، مليئة بكائنات قديمة وأرواح ذات سلطة عظيمة. "لقد انتهكت القوانين، مراد." قال أحد القضاة، وهو ينظر إليه بعيون باردة. "لقد اخترت طريقًا لا يمكن العودة عنه. يجب أن تُحاسب." مراد وقف أمامهم، وكان يدرك أن هذه لحظة فارقة. كان الموت نفسه يقف هناك، صامتًا، يراقب.

"هل تعرف ما الذي فعلته؟" سأل مراد بصوت ثابت. "نعم." أجاب الموت. "لكنني اخترتك. لم أكن أتوقع منك هذا." في تلك اللحظة، كان مراد يعرف أن خياراته قد لا تكون صحيحة، ولكنها كانت طريقًا لا يمكن الرجوع عنه. أصبح واضحًا أن قرارًا حاسمًا سيُتخذ. كان مراد يشعر بالتوتر، لكنه كان مصممًا على الدفاع عن نفسه وعن قراراته. كان يعلم أنه إذا لم يفعل ذلك، فسيفقد كل شيء كان يعمل من أجله.

"لقد فعلت ما كنت أعتقد أنه الصواب." قال مراد، صوته ممتلئ بالثقة. "لقد أنقذت روحًا كانت بحاجة إلى المساعدة، ولم أكن أستطيع تجاهل نداءها. لقد اخترت أن أكون إنسانًا، وأن أتبع قلبي." كان القضاة يستمعون باهتمام، وكان الموت يراقب مراد بفضول. كان مراد يعلم أنه لا يمكنه التراجع الآن، وأن عليه أن يكون صريحًا وشجاعًا في دفاعه عن نفسه.


الفصل السادس: المصير الجديد

في النهاية، كان مراد يواجه الخيار الأصعب: أن يختار بين العودة إلى ما كان عليه، أو أن يكون جزءًا من هذا العالم المظلم إلى الأبد. لكن مراد اكتشف في لحظة من الوعي العميق أنه لم يكن مجرد متدرب، بل كان جزءًا من خطة أكبر بكثير. كان هو الشخص الذي سيُعيد كتابة قوانين الموت. في معركة أخيرة ضد زعيم صيادي الفوضى، استخدم مراد كل ما تعلمه ليغير مجرى الزمن، وكتب فصولًا جديدة للمصير.

كانت المعركة شديدة الضراوة، وكان مراد يشعر بالتعب، لكنه لم يستسلم. كان يعلم أنه إذا خسر، فسيفقد كل شيء كان يعمل من أجله. لكنه كان مصممًا على عدم السماح بذلك. استخدم كل ما تعلمه في مدرسة الظلال ليحارب بشراسة. كان يعلم أن الوقت يمر بسرعة، وأن عليه الانتصار في هذه المعركة لينقذ العالم من الفوضى. كان يقاتل بكل ما أوتي من قوة، مستخدمًا كل حيلة ومهارة تعلمها.

عندما انتهت المعركة، بدأ مراد يرى العالم بعيون جديدة. لم يكن مجرد "مساعد موت" بعد الآن. كان سيدًا للمصير الجديد، شخصية قادرة على تغيير الأحداث وتوجيه مسار الحياة والموت. لكن السؤال الأهم كان: هل كان مستعدًا لتحمل المسؤولية؟ أم أن تلك القوة ستقوده إلى فوضى أكبر؟ كان مراد يعلم أنه أمام تحدي كبير، لكنه كان مصممًا على مواجهته بشجاعة.

ورغم كل شيء، ظل مراد يراقب الأرواح، ويتأمل في الرحلة التي اختارها... كانت الرحلة مجرد بداية. كان يعلم أنه سيواجه المزيد من التحديات، لكنه كان مستعدًا لمواجهة كل ما يأتي به القدر. كان يشعر بالأمل والتفاؤل، وكان مصممًا على استخدام قوته لخدمة الخير وإعادة التوازن إلى العالم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أجنحة الامل : مستوحاه من رواية شاهين السماء

مذكرات نشال | للمعلم عبد العزيز "النص"

رواية : ملكة الملح الأسود | 2025

رواية: لعبة الساعات الزجاجية | لا أحد يهرب من عدّاد الذكريات

رواية شمس الغروب | مستوحاة من رواية "كبرياء وتحامل"

رواية : ظل العقاب | مستوحاه من روايه "الشيطان شاهين"

رواية : العابر بين النجوم | عن روايه الأمير الصغير

روايه: ظل القمر | عن قصة الزوجة والثعلب