أجنحة الامل : مستوحاه من رواية شاهين السماء
الفصل
الأول: البداية في الظلال
في مدينة "فيراس"، التي
تغرق في سكون الليل، كانت المصانع تئن تحت وطأة العمل المتواصل. السماء هناك لا
ترى النور؛ أضواء المصانع القوية تُخفي النجوم، والدخان الكثيف يخنق أي بصيص أمل.
بين تلك الأزقة الضيقة والمباني التي تكاد تسقط من الإهمال، كان زيدان ناصر
يسير بخطوات حذرة، حقيبته المهترئة معلقة على كتفه، وعيناه تراقبان كل شيء.
زيدان لم يكن مجرد عامل بسيط في مصنع
"أوميجا"، بل كان يحمل سرًا كبيرًا، سرًا لو كشفه، لأصبح مطاردًا حتى
آخر أيامه. في ذلك المصنع، كانت الأعمال تتجاوز مجرد إنتاج الآلات. مصنع أوميجا
كان أحد المراكز السرية لـ"مجلس الطغاة"، حيث تُصنع التقنيات المستخدمة
لإحكام السيطرة على الناس.
في تلك الليلة، أثناء فحصه لإحدى
الآلات المعطلة، لاحظ زيدان شيئًا غريبًا. لوحة التحكم خلف الآلة كانت مفتوحة بشكل
غير مألوف، وكأن أحدهم عبث بها. عندما اقترب، وجد شريحة إلكترونية صغيرة مثبتة
بعناية على اللوحة، لم تكن جزءًا من تصميم الآلة. أخذ الشريحة بسرعة وأخفاها في
جيبه قبل أن يراه أحد.
عندما انتهت نوبته الليلية، خرج زيدان
من المصنع كعادته. الشوارع كانت مظلمة باستثناء أضواء قليلة تتسلل من النوافذ.
منزله كان يقع في حي يُدعى "الظل السفلي"، وهو منطقة تعج بالفقراء
والمشردين.
داخل غرفته الصغيرة، أشعل المصباح
الوحيد الذي يملك. أخرج الشريحة الإلكترونية من جيبه وبدأ بفحصها. باستخدام جهاز
قديم للتوصيل، فتح الشريحة ليجد ملفًا مشفرًا يحمل عنوانًا مثيرًا للرعب: "خطة الاجتياح: المرحلة الثانية".
عندما فتح الملف، اكتشف زيدان وثائق
وصورًا تكشف عن خطط المجلس لتدمير عدة قرى صغيرة على أطراف فيراس بحجة توسعة
المصانع. الصور أظهرت مشاهد مروعة لضحايا خطط سابقة، رجال ونساء وأطفال لم يُسمع
عنهم شيء.
ألقى زيدان رأسه بين يديه. هذه
المعلومات كفيلة بإشعال ثورة، لكنها قد تودي بحياته أيضًا إذا وقعت في الأيدي
الخطأ. بدأ يفكر في خطواته القادمة: هل يسلم الشريحة لأحد قادة المقاومة الذين سمع
عنهم من قبل؟ أم يخفيها ويحاول الهروب من المدينة؟
بينما كان غارقًا في أفكاره، قُطع
تفكيره فجأة عندما سمع طرقات عنيفة على الباب. لم يكن يتوقع زيارة في هذا الوقت
المتأخر. اقترب بحذر وأخذ قطعة معدنية صغيرة كانت تستخدم كسلاح بدائي.
"افتح الباب، زيدان! نحن نعلم أنك هنا!" صوت رجولي خشن
اخترق الصمت، ثم تبعته طرقات أشد.
عرف زيدان فورًا أن المجلس قد اكتشف
أمره. أمسك بحقيبته وألقى فيها الشريحة وبعض الأشياء الضرورية. قفز من نافذة
الغرفة الصغيرة، وهبط في الزقاق الخلفي المظلم.
الشوارع كانت مليئة بالدخان، وكأنها
مصيدة تُعدّ خصيصًا له. ركض بلا توقف، سمع أصوات الأحذية الثقيلة خلفه. جنود
المجلس كانوا مدربين بشكل مميت.
بينما كان يركض في أزقة المدينة، وجد
نفسه محاصرًا عند نهاية طريق مسدود. الجنود كانوا يقتربون، وأصواتهم تملأ المكان.
لكنه لاحظ بابًا صغيرًا مفتوحًا بجانب أحد المباني.
دخل بسرعة وأغلق الباب خلفه. المكان
كان مظلمًا تمامًا، لكنه شعر بيد قوية تمسك بذراعه، تجرّه إلى الداخل. حاول
المقاومة، لكن الصوت الذي سمعه جعله يتوقف:
"إذا كنت تريد النجاة، اصمت واتبعني."
كانت المرأة التي تحدثت إليه تُدعى لارا الجبوري، وهي شخصية غامضة تعمل تحت الأرض ضد المجلس. أخذته عبر ممرات سرية أسفل المدينة، حيث لم تصل إليها أعين الطغاة بعد.
الفصل
الثاني: لقاء الأبطال
في الممرات الضيقة أسفل المدينة، كان
زيدان يتبع لارا، خطواتها السريعة واثقة، وكأنها تعرف كل منعطف وكل مخرج. الضوء
الخافت المنبعث من مصباح صغير في يدها بالكاد كان يضيء الطريق، لكن زيدان شعر بشيء
مختلف: الأمان.
"من أنتِ؟" قال بصوت متقطع بينما يحاول التقاط أنفاسه.
"أنا من يحاول إبقاء هذا العالم حيًا رغم كل شيء." أجابته
بنبرة خالية من العاطفة، دون أن تلتفت.
بعد دقائق من المشي، وصلا إلى باب
معدني ضخم مخفي بعناية خلف أكوام من الأنقاض. ضغطت لارا على سلسلة من الأزرار،
فانفتح الباب ليكشف عن غرفة واسعة تعج بالأدوات التكنولوجية والخرائط.
"مرحبًا بك في جناح الحرية." قالت وهي تشير بيدها إلى
الغرفة.
في الداخل، قابل زيدان أفرادًا آخرين
من المقاومة، جميعهم وجوههم تحمل آثار التعب، لكن عيونهم مشتعلة بالأمل. كان بينهم
إيهاب، خبير المتفجرات، وميساء، العقل المدبر الاستراتيجي.
لارا قدمت زيدان بسرعة، موضحة أنه
يحمل معلومة قد تكون نقطة التحول في حربهم ضد المجلس.
جلس زيدان أمام شاشة كبيرة، وأدخل
الشريحة الإلكترونية. بدأ الملف في الظهور أمام الجميع، ومع كل صفحة يتم عرضها،
كانت الوجوه تزداد شحوبًا.
"هذا هو دليلنا." قالت ميساء بصوت خافت. "إذا استطعنا
نشر هذه المعلومات للعامة، يمكننا إثارة تمرد واسع النطاق."
لكن إيهاب اعترض: "هذا ليس
كافيًا. المجلس يملك القوة العسكرية لإخماد أي تمرد بسهولة. نحن بحاجة إلى خطة."
هنا، تدخل زيدان لأول مرة: "هناك
المزيد. المصنع الذي أعمل فيه يحتوي على مخزون من الأجهزة التي يستخدمها المجلس
لتشفير اتصالاته. إذا استطعنا الحصول على واحد منها، يمكننا فك شيفراتهم والوصول
إلى خططهم بالكامل."
تقرر المقاومة تنفيذ هجوم على مصنع
"أوميجا"، حيث عمل زيدان، لسرقة جهاز التشفير. كانت المهمة خطيرة؛
المصنع محاط بالحراس والأسلحة المتطورة، وأي خطأ بسيط يعني القضاء على الجميع.
لارا اختارت زيدان ليكون جزءًا من
الفريق بسبب معرفته بالمصنع. بالنسبة له، كانت هذه لحظة حاسمة: فرصة لإثبات ولائه
للمقاومة وأيضًا فرصة للانتقام من النظام الذي سلبه عائلته.
تحت جنح الظلام، بدأ الفريق مهمتهم.
تسللوا عبر الممرات الخلفية التي أشار إليها زيدان. كانت الحراس أقل من المتوقع،
لكن الجو مشحون بالخوف.
عندما وصلوا إلى غرفة التحكم، بدأت
لارا في اختراق النظام بينما كان زيدان وإيهاب يحميان المدخل. فجأة، دقت الإنذارات.
"لقد اكتشفوا وجودنا!" صرخت لارا.
بدأت المعركة. الحراس تدفقوا نحوهم من
كل اتجاه. إيهاب، رغم شجاعته، أصيب برصاصة في كتفه، لكنهم تمكنوا من إكمال المهمة
وأخذ جهاز التشفير.
بشق الأنفس، تمكن الفريق من الخروج من المصنع والعودة إلى الملجأ. هناك، بدأوا بفك شيفرات الجهاز، وكشفوا عن تفاصيل صادمة: المجلس ليس فقط يخطط لتدمير القرى، بل يعمل على مشروع أوسع يُدعى "القبضة الحديدية"، وهو برنامج يهدف إلى إخضاع جميع السكان عبر شبكة من الأجهزة المزروعة في أجسادهم.
الفصل
الثالث: تحت سماء النار
كانت ليلة الهروب من مصنع أوميجا
بدايةً جديدة بالنسبة لزيدان. داخل الملجأ، وبينما تنهمك لارا وميساء في فك تشفير
الشريحة الإلكترونية، كان زيدان يراقب بقلق. أظهرت البيانات خطة مرعبة تهدف إلى
استخدام تقنيات متقدمة لتحويل الناس إلى أدوات طيعة تحت سيطرة المجلس. تُسمى الخطة
"القبضة الحديدية"، وهي مشروع يهدف إلى زرع شرائح إلكترونية في أجساد
البشر لتعطيل إرادتهم.
في مكان آخر من المدينة، كان الجنرال
كيرن يستعرض ما حدث في مصنع أوميجا. طويل القامة، بنظرات صارمة وابتسامة ماكرة،
بدا واثقًا من قدرته على مواجهة أي تهديد. الجنرال الذي قاد المجلس لعقود كان يعرف
المقاومة جيدًا، لكنه لم يتوقع الجرأة التي أظهروها مؤخرًا. بدلاً من الغضب، أمر
بوضع خطة محكمة للإيقاع بهم، وقرر أن الوقت قد حان لتسريع تنفيذ "القبضة
الحديدية".
داخل الملجأ، اجتمع فريق المقاومة
للتخطيط لضربة نوعية. كان الاقتراح استهداف إحدى القواعد الرئيسية للمجلس، حيث
تُصنّع شرائح التحكم. زيدان أصر على المشاركة، رغم المخاطر، لأنه شعر بمسؤوليته عن
نجاح المهمة. كان القرار محفوفًا بالتوتر، فالفريق يدرك أن أي خطأ قد يعني نهايتهم
جميعًا.
انطلق الفريق ليلًا، مستخدمين ممرات
سرية أوصلتهم إلى مشارف القاعدة. الجو كان مشحونًا، ورائحة الخطر تسود المكان.
تسللت لارا مع زيدان إلى الداخل، بينما بقي إيهاب وميساء في الخلف لتأمين المخرج.
بعد دقائق من زرع المتفجرات في مواقع حيوية، انطلقت صافرات الإنذار. القوات انقضت
عليهم من كل زاوية، وكأن الجنرال كيرن كان ينتظرهم.
تبع ذلك اشتباك شرس. زيدان أظهر شجاعة
كبيرة في القتال، لكنه رأى إيهاب يسقط مصابًا برصاصة قاتلة بينما كان يحميهم. وسط
الفوضى، تمكنوا من الهروب بصعوبة، وتركوا وراءهم قاعدة مشتعلة، مع خسارة موجعة.
في طريق العودة إلى الملجأ، كانت
الصدمة واضحة على وجوه الجميع. زيدان، الذي بالكاد كان يعرف إيهاب، شعر بالذنب
العميق لفقدانه. "كم عدد الأرواح التي يجب أن نفقدها قبل أن ننال
حريتنا؟" قالها بصوت خافت، لكن لارا، التي كانت تحمل الحزن نفسه، أجابته
بحزم: "كل روح تُفقد تقربنا أكثر من الهدف. يجب ألا نستسلم الآن."
الفصل
الرابع: الظلام يقترب
عاد الفريق إلى الملجأ منهكين جسديًا
ونفسيًا. الخسائر كانت ثقيلة على الجميع، وخاصة زيدان، الذي بدأ يشكك في قدرته على
الاستمرار. في هذه الأثناء، استأنفت ميساء فك تشفير البيانات التي حصلوا عليها من
القاعدة. بعد ساعات طويلة من العمل، اكتشفوا خريطة تشير إلى موقع المقر الرئيسي
للمجلس، حيث تُدار عمليات مشروع القبضة الحديدية.
بينما كانت المقاومة تستعد للهجوم
الأخير، وجد زيدان اسمه مكتوبًا في أحد الملفات، إلى جانب أسماء أفراد عائلته
الذين فقدهم منذ سنوات. أدرك حينها أن والده كان أحد أهداف المجلس، وأن الجنرال
كيرن هو من أمر بتصفيته. الغضب الذي شعر به زيدان كان كالنار التي أشعلت عزيمته من
جديد، لكنه قرر كبح جماح مشاعره والتركيز على المهمة.
اجتمع الفريق لوضع خطة دقيقة للهجوم.
النقاش كان محتدمًا، بين من يرى أن الخطة انتحارية، ومن يعتقد أن النجاح ممكن إذا
تضافرت جهود الجميع. في النهاية، تقرر أن يقود زيدان الفريق المتسلل إلى داخل
المقر، بينما تُشرف لارا وميساء على العملية من الخارج.
في تلك الليلة، وبينما كان الجميع منشغلين بالتحضيرات، جلست لارا بجانب زيدان. أخبرته عن شقيقها الذي قُتل على يد المجلس، وكيف أنها وجدت نفسها مضطرة للقتال لتكريمه. زيدان، بدوره، شاركها قصته عن فقدان عائلته، مما عمّق الروابط بينهما وجعل المهمة تبدو وكأنها مسألة شخصية لكليهما.
الفصل
الخامس: النسر يحلق
في ساعات الفجر الأولى، انطلق الفريق
في مهمتهم الأخيرة. كان المقر الرئيسي للمجلس أشبه بحصن لا يُخترق، محاطًا
بالأسلحة الثقيلة والحراس المدججين بالسلاح. مع ذلك، تسلل الفريق عبر ممرات ضيقة
تحت الأرض، واستطاعوا الوصول إلى قلب المقر دون أن يثيروا الشبهات.
داخل المقر، واجهوا أعقد التحديات.
أنظمة الأمن كانت تعمل بأقصى طاقتها، والجنرال كيرن كان ينتظرهم بفريق من أفضل
جنوده. المعركة التي تلت ذلك كانت ملحمية، حيث واجه زيدان كيرن وجهًا لوجه. كان
الصراع بينهما أكثر من مجرد معركة جسدية، بل كان مواجهة بين ماضٍ مليء بالألم
وحاضر مليء بالتحدي.
رغم قوة الجنرال كيرن وخبرته، تمكن
زيدان من التفوق عليه في لحظة حاسمة. لكن النصر لم يكن كاملاً. نظام "القبضة
الحديدية" كان لا يزال يعمل، وكانت أمام زيدان فرصة أخيرة لتعطيله. المشكلة
أن تدمير النظام سيؤدي إلى انفجار يدمر المقر بالكامل، بما في ذلك الفريق.
بينما كان الفريق يهرع للخروج، بقي
زيدان في الخلف لضمان نجاح المهمة. ضغط الزر الأخير، وشاهد النظام ينهار بينما كان
المقر يبدأ في الانفجار. في اللحظات الأخيرة، ظهر زيدان عند أحد المخارج، مصابًا
ولكنه حي، وسط صيحات الفرح من زملائه.
وقف الجميع خارج المقر وهم يراقبون
السماء، التي أصبحت صافية لأول مرة منذ سنوات. قال زيدان بصوت مبحوح لكنه مليء
بالأمل: "لقد كنا نسورًا في الظلام، وحان الوقت لنحلق في النور."
تعليقات
إرسال تعليق