روايه : ظل المحرقة | عن كتاب الهرطوقى

 الفصل الأول: ولادة في زمن النار

في عام 1570، في مدينة طليطلة الإسبانية، ولد "إسحاق بن روبيرتو" لعائلة يهودية متخفية تحت ستار المسيحية، كحال الكثير من "الكونفرسوس" الذين أُجبروا على اعتناق الكاثوليكية. كانت العائلة تعيش في خوف دائم من وشاية قد تؤدي بهم إلى زنزانات محاكم التفتيش. تتخلل حياة الأسرة لحظات هادئة يظهر فيها الحب والرعاية بين أفرادها، بينما تعيش تحت عبء الخوف المستمر. كل نقرة على الباب كانت تُحدث رعشة في قلوبهم، وكل جيرانهم كان يُنظر إليهم بحذرٍ شديد.

في أحد الأيام، بينما كان إسحاق يبلغ من العمر سبع سنوات، داهمت محاكم التفتيش منزلهم ليلاً. اقتحم الجنود المنزل بقوة، وجروا والده إلى غرفة مظلمة حيث أُخضع للتحقيق تحت ضوء شمعة مرتعشة. كان صوت صرخات والده يعم الأرجاء، فتختلط بدموع إسحاق ونداءات أمه للاستغاثة. بعد اختفاء والده، قررت والدته الهرب إلى قرطبة، حيث كانت تأمل في العثور على حياة آمنة. كانت الرحلة طويلة وشاقة، حيث اضطروا للمرور عبر الغابات والطرق الوعرة ليلاً، في محاولة للبقاء بعيدًا عن أعين محاكم التفتيش.

كانت الأم تحاول تهدئة إسحاق بشتى الطرق، تخبره قصصًا عن أبطال الماضي وأمجاد اليهود الذين واجهوا الظلم بصمود. أما إسحاق فقد أُرسل إلى دير كاثوليكي ليُربى وفق تعاليم الكنيسة. كانت حياة الدير صارمة وقاسية، وكان يفتقد والدته بشدة. على الرغم من أن رهبان الدير كانوا يرعونه، إلا أن إسحاق كان يشعر بالعزلة والوحدة، حيث كان يعيش بين جدران باردة لا تعترف بماضيه أو هويته. كانت ليالي الشتاء الطويلة تزيد من شعوره بالغربة، وتجعل الأمل في لقاء والدته يبدو بعيد المنال.

الفصل الثاني: القس اليافع وشيطان الشك

كبر إسحاق داخل جدران الدير وأصبح قسًا كاثوليكيًا يُدعى "فرانسيسكو". لكنه لم يستطع التخلص من الأسئلة التي كانت تلاحقه، أسئلة عن أبيه، عن هويته، وعن الوحشية التي رأى محاكم التفتيش تمارسها بحق من يشتبه في انحرافهم عن الإيمان الرسمي. كان لديه صديق مقرّب، الأب "ميغيل"، الذي كان يحاول دفعه لاعتناق أفكار الإصلاح الديني التي كانت تنتشر سرًا عبر الكتب المهربة من أوروبا البروتستانتية. كان ميغيل يتحدث معه عن الأحلام والأمل في تغيير الكنيسة، مما جعل فرانسيسكو يشعر بشيء من الأمان في خضم الشكوك.

في إحدى الليالي، وجد فرانسيسكو كتابًا محظورًا مخفيًا في مكتبة الدير، كتابًا مترجمًا عن الألمانية يحمل تعاليم لوثر وكالفن. كل سطر في الكتاب كان يثير زلزالًا في إيمانه، ويجعل الشكوك تتعمق في نفسه. أدرك أن هناك أشياء لا تريد الكنيسة أن يعرفها الناس، وأن محاكم التفتيش ليست سوى آلة لقمع الحقيقة. بدأ يقرأ الكتاب في سرية تامة، ويخفيه بين أغراضه. كلما ازداد اطلاعه، كلما شعر بأن العالم الذي عاش فيه طوال حياته كان مبنيًا على أكاذيب.

الفصل الثالث: الوشاية

لم يكن الدير خاليًا من الجواسيس، وسرعان ما أبلغ أحد الرهبان عن ميغيل وفرانسيسكو. ذات ليلة، اقتحم الجنود زنزانة ميغيل واعتقلوه بتهمة الهرطقة. حاول فرانسيسكو الدفاع عنه لكنه لم يستطع، ورأى بأم عينه صديقه يُساق إلى زنزانة باردة تحت الأرض. تم استدعاء فرانسيسكو إلى مكتب القس الأكبر، الذي سأله مباشرةً: "هل كنت تقرأ كتبًا محظورة؟". أنكر فرانسيسكو في البداية، لكنه أدرك أن الخطر بات قريبًا، وأن الوقت قد حان للهرب.

بمساعدة راهبة متعاطفة، تسلل من الدير وانطلق إلى إشبيلية حيث كان بعض المنشقين عن الكنيسة يختبئون. الراهبة كانت تخاطر بحياتها لمساعدته، مما جعله يدرك كم يمكن للإنسان أن يكون شجاعًا في مواجهة الظلم. في إشبيلية، كانت حياته مليئة بالمخاطر، حيث كانت العيون تلاحقه في كل مكان. كان يعيش في خوف دائم، ويتنقل بين البيوت الآمنة التي يديرها المنشقون.

الفصل الرابع: طريق الهروب

في إشبيلية، التقى فرانسيسكو بمجموعة سرية من الموريسكيين واليهود المتخفين الذين كانوا يخططون للهروب إلى شمال أوروبا، حيث يمكنهم العيش بحرية بعيدًا عن قمع الكنيسة الإسبانية. تعلم منهم أسرار الهروب عبر البحر وكيفية تزوير الوثائق. كانوا يتحدثون في الليل حول نار المدفأة عن الأمل في مستقبل أفضل، وعن الحرية التي ينتظرونها.

لكنه لم يكن وحده، فقد كانت محاكم التفتيش تتعقبه. تم القبض عليه أثناء محاولته الفرار، واقتيد إلى غرناطة حيث وُضع في زنزانة ضيقة بانتظار محاكمته. كانت الحياة في الزنزانة باردة ومظلمة، وكان يسمع صرخات السجناء الآخرين تتردد في أرجاء المكان. كان يعلم أن عليه البقاء قويًا، وأن الأمل في الهروب لم يزل قائمًا.

الفصل الخامس: في قبضة محاكم التفتيش

خلال استجوابه، أُجبر فرانسيسكو على مشاهدة التعذيب الذي مورس على غيره من السجناء. حاولوا إجباره على الاعتراف بأنه مهرطق، لكنه ظل صامتًا. تعرض لأسوأ أنواع التعذيب، لكن قبل أن يُعدم، حدث أمر غير متوقع. أحد القساوسة الذين يعرفونه منذ صغره، وكان قد اشترى صمته طويلاً، قدم له صفقة: "اعترف بأنك كنت تحت تأثير الشيطان، وابقَ في الكنيسة، وسنصفح عنك". رفض فرانسيسكو، لكنه علم أن هناك طريقة واحدة للهرب—عليه التظاهر بالخضوع.

بدأ يتصرف وكأنه نادم على أفكاره السابقة، وأظهر طاعة تامة للقساوسة. كانوا يراقبونه بعناية، لكنهم لم يشكوا في نواياه. أصبح يشارك في الطقوس الدينية بحماسة مزيفة، بينما كان يخطط في سره للهروب في أول فرصة تسنح له.

الفصل السادس: القيامة من الرماد

بعد شهر من المحاكمة، وقف فرانسيسكو أمام الحشود في ساحة غرناطة، حيث كان من المفترض أن يُعدم حرقًا بتهمة الهرطقة. لكنه، في اللحظة الأخيرة، كشف القناع عن وجهه أمام الجميع، وأعلن: "أنا إسحاق بن روبيرتو، لست مهرطقًا، لكني لست عبدًا لكم أيضًا!" وسط الفوضى التي تلت ذلك، استطاع بعض أصدقائه تهريبه قبل لحظة الإعدام، وهرب إلى فرنسا، ثم إلى أمستردام، حيث وجد أخيرًا الحرية التي كان يسعى إليها. هناك، بدأ في كتابة قصته، ليكشف للعالم عن جرائم محاكم التفتيش، وليصبح واحدًا من رموز الفكر الحر الذين تحدوا الظلم باسم الحقيقة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أجنحة الامل : مستوحاه من رواية شاهين السماء

مذكرات نشال | للمعلم عبد العزيز "النص"

رواية : ملكة الملح الأسود | 2025

رواية: لعبة الساعات الزجاجية | لا أحد يهرب من عدّاد الذكريات

رواية شمس الغروب | مستوحاة من رواية "كبرياء وتحامل"

رواية : ظل العقاب | مستوحاه من روايه "الشيطان شاهين"

رواية : العابر بين النجوم | عن روايه الأمير الصغير

روايه: ظل القمر | عن قصة الزوجة والثعلب