رواية صرخة في منتصف الليل: رسائل من المجهول

 

الفصل الأول: البداية المظلمة

كانت الليلة حالكة السواد في قرية "جلينورا"، حيث اجتمع الأهالي حول نار تتوهج أمام الأكواخ الحجرية المتناثرة. كان البرد قارسًا، والسماء مُلبدة بالغيوم، والريح تعصف وكأنها تحاول اقتلاع الأرواح من الأجساد. كانت "جلينورا" قريةً قديمة، شديدة العزلة، تتراكم حولها الأساطير والروايات عن قصر مهجور على تلة مرتفعة، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه بعد غروب الشمس. يُقال إن هذا القصر كان ملكًا لعائلة "فاينبروك"، التي اشتهرت بثرائها وقوتها في القرون الماضية، لكن يُقال إن نهاية العائلة كانت كارثية ودموية.

كان "إلياس"، شابٌ في العشرينيات من عمره، يعمل كحطاب في القرية. يملك قلبًا شجاعًا، لكن ليلة باردة مثل هذه جعلته يشعر بالقشعريرة لمجرد التفكير في القصر المظلم. وبينما كان الأهالي يتبادلون الأحاديث عن الأرواح التي تسكن القصر، شعر بشيء غريب يتسلل داخله. لم يكن متأكدًا إن كان هذا شعورًا بالخوف أم فضولًا جامحًا لمعرفة الحقيقة.

عاد إلياس إلى كوخه في منتصف الليل، وكان الظلام كثيفًا لدرجة أنه بالكاد استطاع رؤية الطريق أمامه. وعندما اقترب من بابه، لاحظ ورقة مطوية بعناية، معلقة على باب الكوخ. كانت الورقة مصفرة، بخطوط تبدو قديمة ومرعبة في آن واحد. لم يكن إلياس معتادًا على تلقي رسائل في هذا الوقت من الليل، ولذا تردد قليلاً قبل أن يفتحها. لكنه، بعد لحظات، انتصر فضوله، فمدّ يده المرتجفة وفتح الورقة.

الرسالة:

"إياك أن تخرج من كوخك الليلة، وإلا ستسمع صرخة من أعماق الجحيم لن تفارقك أبدًا. هناك من يتربص بك في الظلام. ابقَ في مكانك، أو سيكون مصيرك كمن سبقك."

بدا خط الرسالة غريبًا ومخيفًا، وكأن من كتبها كان في عجلةٍ من أمره، أو أن يده كانت ترتعش. لم يعرف إلياس من أين أتت هذه الرسالة ولا من أرسلها، لكن ما كان مؤكدًا هو أن قلبه امتلأ بالرهبة. وفي تلك اللحظة، سمع صوتًا أشبه بصدى بعيد يتردد في الهواء. كانت صرخةً مخيفة، تمزق سكون الليل، صدىً يحمل في طياته خوفًا وألمًا يفوق الوصف. تجمد إلياس في مكانه، وكأن قدميه التصقتا بالأرض، وحاول أن يتذكر النصيحة المكتوبة في الرسالة.

تحرك ببطء نحو النافذة، ومن خلالها، لمح ظلالًا تتحرك بعيدًا باتجاه التلة حيث القصر المهجور. كانت الظلال تبدو كأشباح، تقترب وتبتعد، وتصدر أصواتًا خافتة، كأنها أرواح ضائعة تبحث عن ملاذ.

مع شروق الشمس، بدت القرية وكأنها استيقظت على كابوس. أهالي القرية، ومنهم إلياس، تجمعوا في ساحة القرية للحديث عن الصرخة التي سمعوها جميعًا. كان الرعب باديًا على وجوههم، إذ لم يجرؤ أحد على الحديث عما سمعه أو شاهده. اقترب أحد الرجال المسنين من إلياس، ونظر إليه نظرة غامضة وقال بصوت خافت: "لقد حذرونا جميعًا، لكن بعض الأسرار لا يمكن إخفاؤها إلى الأبد. صرخة منتصف الليل ليست إلا البداية، وهذه الرسائل ليست إلا تذكيرًا بما حدث في الماضي، فكل من يفتح تلك الرسائل يجد نفسه في طريقٍ لا عودة منه."

الفصل الثاني: لعنة القصر المهجور

في الأيام التالية، بدأت الرسائل الغامضة تظهر بانتظام على باب كوخ إلياس، حيث كانت كل رسالة تحمل تحذيرات مشؤومة أو تلميحات غامضة حول مصير كل من تجرأ على الاقتراب من القصر. تلك الرسائل كانت تملأ قلبه خوفًا وفضولًا في آنٍ واحد، وكأنها لغز يستدعيه للكشف عن سر دفين، لكن بثمن باهظ.

أدرك إلياس أن السبيل الوحيد لفهم الرسائل هو التوجه إلى "الحكيم أندراس"، الذي عاش في القرية لسنوات طويلة وكان يعرف تاريخ القصر وأسراره. توجه إليه في إحدى الليالي المظلمة، حيث أخبره الحكيم عن عائلة "فاينبروك" الملعونة. روى له أن العائلة كانت تشتهر بالغموض، وأنه يُقال إن جميع أفرادها لقوا حتفهم بطريقة شنيعة إثر جريمة انتقام مرعبة. وأن لعنة حلت عليهم جعلت أرواحهم لا تهدأ، تتجول في القصر منذ مئات السنين.

سرد أندراس على إلياس تفاصيل الحادثة المروعة التي عاشها أفراد عائلة "فاينبروك"، حيث قال: "في ليلة مشؤومة من الشتاء، يُقال إن أرواحًا شريرة اجتاحت القصر، وكأن الجدران نفسها كانت تنتقم من ساكنيها. سمعت القرية صرخات الأطفال وهم يحاولون الهرب، ووقع النساء في الفخاخ، واختفت جثثهم إلى الأبد في قبو القصر المظلم. كان هذا بعد أن أغضبوا شخصًا مهمًا آنذاك، شخصًا لا يرحم. منذ ذلك الحين، يقال إن أرواحهم لا تزال تعاني من الانتقام، وتصرخ في منتصف الليل من أجل الخلاص."

أصبحت رغبة إلياس في كشف اللعنة أقوى من أي وقت مضى، فقرر أن يذهب بنفسه إلى القصر. جمع أصدقاءه الثلاثة، "ليام"، و"كارين"، و"توماس"، وطلب منهم مرافقته، فوافَقوا على المغامرة رغم التردد الذي كان يظهر في عيونهم. في الليلة التالية، تسلل الأربعة إلى القصر، وكان المكان أشبه بقبرٍ باردٍ ورطب، يعج برائحة العفن والذكريات الدفينة. بدأت الظلال تتحرك حولهم، والأصوات تهمس لهم بالكلمات الغامضة التي كُتبت في الرسائل.

الفصل الثالث: كشف الحقيقة المرعبة

داخل القصر، بدأ إلياس ورفاقه في اكتشاف وثائق قديمة مهترئة ومذكرات تُروى فيها القصص المخيفة عن العائلة الملعونة. إحدى المذكرات تعود إلى فتاة صغيرة تدعى "إيلينا"، كانت تعيش في القصر وتكتب عن خوفها من أصوات غريبة كانت تسمعها في الجدران، وكأن هناك من يعيش بينهم في السر. ومع مرور الصفحات، بدأت إيلينا تتحدث عن شخص يُدعى "المرشد"، والذي كان يُعتبر حارسًا للقصر، ويُشاع أنه يعرف طقوسًا مظلمة ليحمي القصر من أي تهديد.

استمر البحث في الغرف المظلمة، حيث عثروا على صندوق مغلق بإحكام يحتوي على مجوهرات قديمة ورسائل مكتوبة بدماء جافة. فتح توماس الصندوق ليجد بينهم رسالة تحذيرية مكتوبة بلغة قديمة، تقول: "ستدفعون الثمن، كما دفعنا نحن. لا خلاص للأرواح الهائمة".

ما إن قرأ توماس الرسالة حتى بدأت أضواء الشموع تخفت وتشتعل من تلقاء نفسها، وبدأت الغرف تتحول أمامهم وكأنها مشاهد تظهر وتختفي، مشاهد تروي كيف كان أفراد العائلة يُقتلون واحدًا تلو الآخر، وكيف كانت أصوات صرخاتهم تمزق سكون القصر.

وبينما هم في حالة من الذعر، شعروا وكأنهم مراقبون، وأيقنوا أن "المرشد" لا يزال موجودًا بروحه، يحوم حولهم ويراقب كل حركة يقومون بها، وكأن هذا المكان جزء من جحيمه الشخصي. ساد الرعب بينهم، لكن لم يكن لديهم خيار سوى إكمال طريقهم لكشف اللعنة.

الفصل الرابع: اللعنة تتحقق

قرر إلياس وأصدقاؤه إجراء الطقوس التي كانت مذكورة في إحدى الوثائق القديمة على أمل تحرير الأرواح المعذبة. لكنهم لم يعرفوا أن الطقوس تتطلب تضحية شخصية. بدأوا بترتيب الأدوات على طاولة حجرية في منتصف قاعة القصر المظلمة، وأضاءوا الشموع المحيطة وفقًا للتعليمات المكتوبة. كل واحد منهم كان يشعر بارتعاشه لا يمكنه كبحها.

ما إن بدأوا الطقوس حتى بدأت الأرضية تهتز، والجدران تئن، وبدأت الظلال تتحرك حولهم كأنها أرواح حية تبحث عن مخرج. وما إن أتموا الطقوس حتى أدركوا أن اللعنة لم تزل، بل ازدادت قوة. وبدأت الأجساد التي كانت مختفية تعود للظهور، وكأنهم استحضروا الأشباح نفسها.

همست كارين وهي تحاول التراجع إلى الخلف: "لقد ارتكبنا خطأً فادحًا... الطقوس لم تكن لتحرير الأرواح بل لاستحضارها". كانت الأصوات تتعالى من حولهم، صرخات وبكاء وضحك مرعب يملأ الأجواء. بدأوا يهربون بين أروقة القصر، لكن الطريق لم يكن ينتهي، وكأن القصر يريد حبسهم داخله للأبد.

الفصل الخامس: الصرخة الأخيرة


مع اقتراب منتصف الليل، كانت المجموعة مرهقة ويائسة، وأيقن إلياس أن السبيل الوحيد لإنهاء اللعنة هو التضحية بأحدهم لإنقاذ الآخرين، وتحرير الأرواح الهائمة. وجد إلياس نفسه وحيدًا في قاعة قديمة مهجورة، بينما تلاشى أصدقاؤه في أروقة القصر، كأنهم اختفوا بين الجدران. استجمع شجاعته وبدأ يتمتم بالطلاسم القديمة، ويتبع الطقوس التي وجدها في الوثائق.

في تلك اللحظة، بدأ القصر كله يهتز، والأصوات تملأ الفضاء من حوله. كانت صرخات الأرواح تحيط به كأنها تنبعث من الجدران والأرضية. أخذ إلياس سكينًا حجريًا قديمًا، وجرح كفه فوق الطاولة، مما جعل الصرخات تتوقف للحظة قصيرة، وكأن الأرواح تستمع. قال بصوتٍ متهدج: "أنا أدفع الثمن... تحرروا". تردد صدى كلماته في القاعة، وبدأت الظلال تذوب في الهواء، والأصوات تتلاشى ببطء، حتى عاد الصمت ليسود المكان.

في نهاية الأمر، اختفت الأرواح وهدأت الصرخات، وعاد القصر إلى سكونه، وكأن لعنة الماضي قد انتهت أخيرًا. خرج أصدقاؤه من بين الجدران، وكأنهم عادوا للحياة، ينظرون إلى إلياس بامتنان وخوف، فقد أدركوا أنه ضحى بشيء من نفسه ليحررهم من هذا الكابوس.

تدور الأيام ويصبح القصر هادئًا مجددًا، ولكن في إحدى الليالي، تظهر رسالة جديدة على باب كوخ إلياس، مكتوبة بخطٍ مريب، تقول: "اللعنة تعود لمن يعيد فتح القصر".



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أجنحة الامل : مستوحاه من رواية شاهين السماء

مذكرات نشال | للمعلم عبد العزيز "النص"

رواية : ملكة الملح الأسود | 2025

رواية: لعبة الساعات الزجاجية | لا أحد يهرب من عدّاد الذكريات

رواية شمس الغروب | مستوحاة من رواية "كبرياء وتحامل"

رواية : ظل العقاب | مستوحاه من روايه "الشيطان شاهين"

رواية : العابر بين النجوم | عن روايه الأمير الصغير

روايه: ظل القمر | عن قصة الزوجة والثعلب