رواية : الروح الهائمة | انتقام من العالم الآخر

 

الفصل الأول: نذر الموت

في قرية نائية، تُحيط بها الغابات الكثيفة من كل جانب، كان الناس يتجنبون الحديث عن روح هائمة تُدعى "جوليا". الأسطورة تقول إنها تبحث عن الانتقام، وأنها لن تهدأ حتى تأخذ حقها من الخائنين. تعود جذور هذه القرية إلى عصور قديمة، حيث كانت القبائل تتنازع حول الأراضي والثروات، وكانت الأرواح تُعتبر جزءًا من تلك النزاعات.

كان أهل القرية يعيشون حياة بسيطة، تقتصر على الزراعة والرعي. لكنهم في الليل، كانوا يتجمعون حول النار، يتبادلون الأحاديث والقصص، وعادة ما تتطرق الأحاديث إلى الروح الهائمة. كان "حسن"، أحد الشبان الأكثر شجاعة في القرية، يروي القصص بأسلوب مثير، مما جعل الآخرين يلتفون حوله بشغف. في إحدى تلك الليالي، قرر حسن أن يروي قصة جوليا.

تبدأ القصة منذ عدة قرون، عندما كانت جوليا ابنة زعيم القبيلة. كانت جميلة، وذكية، وذات روح حرة. وقعت في حب شاب من قبيلة عدوة، لكنهما واجها صعوبات كبيرة بسبب التقاليد التي كانت تحكم المجتمع. رغم ذلك، قررا الالتقاء في الغابة، بعيدًا عن أعين القبائل المتنازعة.

ومع مرور الوقت، بدأت الشائعات تدور حولهما، وعندما علم والد جوليا بخيانتها، غضب بشدة وأمر بقتل الشاب. لم يكن جوليا تعلم أن هذه كانت نهايتها. في تلك الليلة المشؤومة، قُتلت وهي تحاول إنقاذ حبها، وترك جسدها في الغابة، حيث تحولت روحها إلى هائمة تبحث عن الانتقام.

عندما انتهى حسن من سرد القصة، ساد صمت ثقيل. كان هناك شعور بالخوف والقلق في أعين الجميع. لكن "علي"، صديق حسن الأكثر جرأة، قرر أن يُظهر شجاعته، فانتقد الحكاية واعتبرها مجرد خرافة. قال للجميع إنه سيذهب إلى الغابة في تلك الليلة ليظهر لهم أنها ليست أكثر من أسطورة.

توجه علي إلى الغابة، مستهزئًا بمخاوف أصدقائه. ولكنه سرعان ما شعر بوجود شيء غير طبيعي. كانت الأشجار تتراقص وكأنها تعبر عن مشاعر الخوف والغضب. ومع كل خطوة، بدأ يسمع همسات خفيفة، كأن شيئًا ما يتبعه. في تلك اللحظة، تسللت قشعريرة إلى جسده، وعندما أمعن النظر في العتمة، ظهرت له صورة جوليا، تلك الروح الجميلة التي تجسد الحزن والغضب.

الفصل الثاني: مواجهة القدر

عندما عاد علي إلى القرية، كان وجهه شاحبًا، وعيناه متسعتان من الخوف. لم يُصدق أحد من أصدقائه ما رآه، وظنوا أنه يتخيل، لكن حسن أدرك أن الأمر ليس بسيطًا. بدأت حوادث غريبة تحدث في القرية؛ أصوات تُسمع في الليل، وأشياء تتحرك بدون سبب، والظلال تُرعب سكان القرية.

حسن، الذي كان مؤمنًا بأسطورة جوليا، قرر أن يأخذ الأمور بجدية. بدأ يبحث عن تفاصيل ماضي جوليا. اكتشف أنها كانت تُحب بصدق، وأن الخيانة التي تعرضت لها كانت نتيجة لمؤامرة من رجال قبيلتها. ومع مرور الأيام، كانت الأحداث تتفاقم. بدأ القلق يتسرب إلى نفوس جميع سكان القرية.

حاول حسن تنظيم طقوس قديمة لاسترضاء روح جوليا. دعا أصدقائه إلى الذهاب إلى الغابة في ليلة اكتمال القمر. كانت الأسطورة تقول إن تلك الليلة هي الأنسب للتواصل مع الأرواح. ومع وصولهم، شعر الجميع ببرودة غير عادية. اجتمعوا حول نار صغيرة، وبدأوا في طقوسهم، يستدعون روح جوليا.

لكن عندما بدأوا في التحدث، اهتزت الأرض تحت أقدامهم، وظهرت سحب داكنة في السماء. تجسدت جوليا أمامهم، لكنها لم تكن تلك الفتاة الجميلة التي تخيلها الجميع. كانت عينيها تحملان قسوة، ووجهها مشوّهًا بغضب متقد. صرخت قائلة إنها تريد العدالة، وأنها لن تهدأ حتى تأخذ حقها.

بدأ حسن يتحدث مع جوليا، محاولًا إقناعها بأنهم هنا ليس للضرر، بل لفهم قضيتها. لكنه لم يكن يتوقع أن يكون الأمر صعبًا بهذا الشكل. روح جوليا كانت غاضبة، وكانت تطلب الانتقام من كل من خانها، من كل من تلاعب بمشاعرها.

الفصل الثالث: شبح الماضي


بدأت الأحداث تتصاعد في القرية. بدأ الناس يتحدثون عن ظواهر غريبة تحدث حولهم. الأشباح بدأت تظهر في كل مكان، والشمس لم تعد تشرق كما كانت. زاد القلق بين سكان القرية، وبدأت الأمراض تنتشر. كانت روح جوليا تجوب الغابة، تحصد أرواح من لم يحترموا ذاكرتها.

علي، الذي لم يُصدق ما حدث، قرر أنه يجب عليه مواجهة جوليا مرة أخرى. قرر الذهاب إلى الغابة بمفرده. أشار إليه الجميع بالتحذير، لكن حماسه دفعه لمواجهة روح جوليا مجددًا. ومع دخوله إلى الغابة، شعر بمزيج من الخوف والفضول.

بينما كان يتجول، سمع صوتاً يُناديه. كانت جوليا، تراقبه من بعيد، وكأنها تبحث عن شيء ما. تجرأ علي وتحدث إليها، محاولًا إفهامها أنه ليس عدوها. بدأ يسرد قصتها، وعينيه تتلألأ بالأمل.

تحدثت جوليا بحزن عن ماضيها، وعن الخيانة التي تعرضت لها، وعن الحب الذي فقدته. لكن قلبها كان ممتلئًا بالغضب. لم يكن علي يتوقع أن تكون كلماتها بهذا الثقل. أدرك أنه يجب أن يساعدها على إيجاد السلام.

الفصل الرابع: رحلة البحث عن الحقيقة

علي قرر أن يقوم برحلة للبحث عن الحقيقة وراء موت جوليا. استدعى أصدقائه وأخبرهم أنه يجب عليهم الذهاب إلى القبيلة التي كانت تُحب جوليا. كانوا يعلمون أنهم سيتعين عليهم مواجهة الخطر، لكن البحث عن الحقيقة كان يستحق العناء.

عندما وصلوا إلى القبيلة المعادية، قابلهم الشك والحذر. حاولوا التحدث إلى زعمائهم، لكنهم قوبلوا بمقاومة شديدة. كان هناك شاب يُدعى "كريم"، الذي عرف جوليا وكان يعرف القصة الحقيقية وراء مقتلها. بدأ يروي لهم أن هناك سوء فهم، وأن جوليا لم تكن خائنة، بل كانت ضحية للتقاليد التي تفصل بين القبائل.

كريم، الذي كان يحاول جاهدًا الحصول على العفو من روح جوليا، قال لهم إنهم بحاجة إلى إجراء طقوس سلام بين القبيلتين. كان الأمر صعبًا، ولكن علي وأصدقاؤه كانوا مصممين على تحقيق السلام.

قررت القبيلتان أن يتجمعوا في مكان محايد، وأن يستمعوا لبعضهم البعض. كانت الأجواء مشحونة، لكن محادثات الكراهية بدأت تتلاشى مع مرور الوقت. بدأ الجميع يتذكر جوليا كرمز للسلام، وليس كضحية للعنف.

الفصل الخامس: الانتقام والفداء


عندما عادوا إلى قريتهم، كانوا يحملون الأمل في قلوبهم. لكن جوليا كانت لا تزال غاضبة، وقررت الانتقام من كل من ساهم في مأساتها. حذّرهم حسن من أن الانتقام لن يُجدي نفعًا، وأنهم يجب أن يساعدوها على إيجاد السلام.

اجتمع الجميع حول النار مجددًا. بدأوا في الحديث مع جوليا، محاولين إقناعها بأنه يجب أن تُنهي دوامة العنف. لكن جوليا كانت تصرخ، مُصممة على الانتقام.

في تلك اللحظة، قرر علي أن يُظهر شجاعته الحقيقية. أخبر جوليا أنه إذا كانت تُريد الانتقام، فهي بذلك تُعيد إحياء مآسي الماضي. بدأت جوليا تستمع، ولكن غضبها لم يهدأ بعد. بدأت تتلاشى من أمامهم، وكأن روحها في صراع بين الانتقام والسلام.

بفضل جهودهم، تمكّن علي وأصدقاؤه من إقناع جوليا بأنهم هنا لمساعدتها، وليس لمضرتها. كان هذا التحول صعبًا، لكن جوليا بدأت تشعر بالسلام يقترب.

قررت جوليا أن تُعطي فرصة للقبيلتين لتحقيق السلام. توحدت القبيلتان في مراسم احتفالية، وقدموا الوعود لذكرى جوليا كرمز للسلام والمحبة. في تلك اللحظة، كانت روح جوليا تُشاهد من بعيد، وابتسامة خفيفة على وجهها.

مع مرور الأيام، بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها في القرية. أدرك الجميع أن الكراهية لن تؤدي إلا إلى المزيد من الدماء. أصبحت ذكرى جوليا حية في قلوب الجميع، كرمز للانتقام والفداء، وتجسيدًا للسلام الذي يمكن أن يحققه الحب في النهاية.

ومع ذلك، استمرت الأسطورة في الانتشار، وكانت تُروى عبر الأجيال. تجسدت روح جوليا في كل ركن من أركان القرية، تذكرهم بأن الحب يمكن أن يتجاوز كل الحواجز، وأن السلام هو الخيار الوحيد.

كلما تذكروا قصتها، أدركوا أن الانتقام لم يكن حلاً، وأنهم جميعًا كانوا جزءًا من هذه الدائرة المغلقة. ومع مرور الوقت، أصبحت القرية رمزًا للسلام، حيث كانت الأرواح تسير بسلام في الغابة، وتجسد جوليا ذلك الأمل في قلوب الجميع.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أجنحة الامل : مستوحاه من رواية شاهين السماء

مذكرات نشال | للمعلم عبد العزيز "النص"

رواية : ملكة الملح الأسود | 2025

رواية: لعبة الساعات الزجاجية | لا أحد يهرب من عدّاد الذكريات

رواية شمس الغروب | مستوحاة من رواية "كبرياء وتحامل"

رواية : ظل العقاب | مستوحاه من روايه "الشيطان شاهين"

رواية : العابر بين النجوم | عن روايه الأمير الصغير

روايه: ظل القمر | عن قصة الزوجة والثعلب